Tuesday, June 10, 2014

"سي السيد" ديكتاتوراً منتخباً

لميس أندوني
10 يونيو 2014AN EXCELLENT PIECE!
سي السيد، الشخصية التي أبدعها الروائي نجيب محفوظ، في ثلاثيته الشهيرة، لم تكن فقط تشريحاً لتكوين الذكر العربي في مجتمعٍ يقدس المفهوم الأبوي السلطوي، فحكامنا هم الصورة الأكثر تطرفاً لسي السيد، بل نحن نأمل أن نحصل على سي السيد رئيساً، بل وننتخبه دكتاتوراً مُخَلِصاً.
مباركة علينا انتخاباتنا، انتخابات "أمن وأمان" في البيت المضرّج بدماء الضحايا: انتخبنا الحاكم القاسي في بطشه، تحت وطأة افتتاننا "بالأب السلطوي" المحب الحامي: فالأب السلطوي يحمي عائلته من الجوع، هذا إذا كان حنوناً، ويعاقب ويسحب عطاءه من دون رحمة، لأنه السلطة الحاكمة لمستضعفٍ لا يقوى على إعالة النفس والجسد.
حكامنا، وهم إما أصحاب سجل حافل في ارتكاب الجرائم، سواء القصف والسجن والاعتقال والاختطاف، أو في ممارسة انتهاكات حقوق إنسان ومواطن، صادمة في تجلياتها، هم الوجه الأقبح لسي السيد، يتوقعون الولاء والرضوخ في مقابل "مكرمة" عطاءٍ ما، ليس لهم أصلاً من خيرات أو حقوق.
فالمطلوب أن تكون الانتخابات مصنعاً لإنتاج الرعايا، وليس المواطنين: فلا توجد عملية مشاركة في صنع القرار، بل هناك تكريس لإرادة الشعوب: الهدف هو احتواء هذه الإرادة، تمهيداً لتكسيرها، فما أقبح العرس الديمقراطي، حين يحتفل المظلوم بانتصار الظالم. فتتم إعادة إنتاج سي السيد، الذي قد يكون أباً حانياً في البيت، ويصبح وحشاً في حال تسلمه سلطة مطلقة. المحزن هو انتصار هذا النموذج، بعد الثورات والتضحيات، فدم كل شهيد سال من أجل الحرية، يُسفَك دمه يومياً، الآن، تحت أقدام نشوة نصر الطاغية، بل الطغاة.
لو حصلت انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي، لن تكون مفاجأة إذا انتصر رموز النظام القديم المتجدد، سواء في دول ما بعد الثورات، أو التي ضربت معارضاتها في المهد، أو التي منعت نمو ثقافة المعارضة السياسية، في مجتمعاتها أصلاً.
ليس تشاؤماً، بل محاولة قراءة لواقع الثورات المضادة التي لعبت على أوتار حساسة في السيكولوجيا الجمعية: "فالأمن والأمان" يحتلان أولوية، وفقاً للمفاهيم التي زرعتها الأنظمة، والتي نجحت فيها بعد خلق ثقافة ذعر ورعب، يجعل من يدّعي التقدمية، حتى لو صدقاً، يؤيد القمع والبطش، وبالتالي، نعود مجدداً إلى سيادة فكرة "الديكتاتور الُمخَلِص". 
" بدها حاكم قوي" أو "لا ينفع مع هكذا شعب إلا دكتاتور"، جمل يرددها ليس بسطاء الثقافة فحسب، بل مدّعو الثقافة، أو حتى مثقفين، وهي، في النهاية، تعبيرات تدل على مخاوف عميقة من المجهول، ومن غياب شخصية "الأب السلطوي" الذي يأخذ ما يريد ويعطي ما يريد، فنقبل الظلم حتى لا يتزعزع أمان مزيف يتيح للطغيان الإمعان في طغيانه.
للحق، الطموح في الحصول على الأمان، بالتمسك بالحكام من رموز النظام القديم ليس سعياً إلى أمان مزيف تماماً، ففي البدء، تم اصطناع البديل المخيف، إلى أن أصبح حقيقة: الذي اصطنع داعش وأخواتها ونسبها، كان يعرف ما يريد، سعياً إلى إنقاذ الدولة العميقة، ومصالح دول غربية وإقليمية، حتى لو جازف بأن ترتد هذه المجموعات عليهم جميعاً.
لكن، الأهم هو عمق المفهوم الدكتاتوري في أعماقنا وفي ممارستنا، وإلا كيف نفسر تأييد يساريين وليبراليين المجازر ضد خصومهم السياسيين؟ وكيف نفسر عدم الاهتمام من وغض النظر عن قتل العزل في البيوت، وتناثر الأشلاء تحت وقع البراميل، أو قطع الرؤوس باسم الدين؟ فكل يبرر الجريمة التي تناسب أيدولوجيته في سقوط مدوٍ للادعاء الأخلاقي لالتزام أيديولوجي.
فالانتخابات كمصنع إعادة إنتاج الديكتاتور ليست مقصورة على الأنظمة، بل على المجتمع بأكمله، فالأحزاب ساهمت في تثبيت فكرة الديكتاتور، في قادتها وتنظيماتها، فالشعار ألهم ثواراً أعطوا أرواحهم لحلمٍ، تم دعسه، ليحيا سي السيد ديكتاتوراً منتخباً.

No comments: