Sunday, April 28, 2013

القضاء المصري و’القدر’ الإخواني


عبد الحليم قنديل

لا شيء أكذب من ادعاء الإخوان رغبتــهم في ‘تطهير’ القضاء، أو إجراء محاكمة ثورية للرئيس المخلوع حسني مبارك وجماعته .
فقد جرى ضبط الإخوان في حالة تلبس بالجرم المشهود، وبالتواطؤ مع مبارك وجماعته، ليس فقط بالاتفاق في اختيارات السياسة والاقتصاد، وحذو مرسي لخط مبارك في الاحتماء بالأمريكيين و’رأسمالية المحاسيب’ وحفظ أمن إسرائيل، وإلى حد أن السيد مرسي اعترف ـ في حوار أخير مع قناة ‘الجزيرة’ـ بزيادة التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل ببركة عهده الميمون، وبصورة أعمق وأفضل مما كان عليه الأمر في أيام مبارك، وحين سألته قناة ‘الجزيرة’ عن تفسيره لإشادة رئيس الأركان الإسرائيلي بانتعاش التعاون الأمني، كان رد مرسي متلعثما، ثم انتقل إلى مسخرة حقيقية، حين فسر زيادة التعاون الأمني بتوافر ‘الندية’ لا التبعية، وهو ما يشير إلى عادة ‘الرئيس′ الإخواني في وصف الشيء بعكسه، وتماما كما يفعل الإخوان في قصة محاكمات مبارك، فهم يفسرون تواطأهم بأنه ‘ثورية’ زائدة، ويرفعون أصواتهم فوق صوت الثوريين الحقيقيين على سبيل التغطية والتمويه الساذج، بينما الحقائق الصلبة تكشف زيفهم، وتسقط مزاعمهم، فقد وقفوا منذ بداية الثورة ضد أي محاكمات ثورية، وضد إصدار قانون ثوري خاص تقوم عليه محاكمات بقضاة طبيعيين، وضد تفعيل قانون محاكمة رئيس الجمهورية بتهمة الخيانة العظمى، وفضلوا المحاكمات بالقوانين العادية التي تنتهي إلى مهرجان تبرئة للجميع، وبدعوى أن المحاكمات العادية أيسر قبولا عند المجتمع الدولي، وكان رأي جماعة الإخوان هو نفس رأي القانونيين من جماعة مبارك، وتواطأ الكل على خيانة الثورة، وهم يعرفون سلفا ما نعرف، وهو أن مثل هذه المحاكمات ستنتهي إلى قبضة هواء، وسوف تبرئ المجرمين، ولن تعيد مليما واحدا إلى مصر من المليارات المنهوبة، وكل ما تؤدي إليه هو إدانة الثورة نفسها، فالثورة ـ طبقا للقــــوانين العادية إياها ـ جريمة قلب نظام حكم ، والمطلوب جوهريا عند الإخوان أن تنهزم الثورة، وأن تحكم الثورة المضادة، وهذا ما جرى بالضبط عبر طبعتين متواليتين من حكم الثورة المضادة، بدأت بطبعة مجلس طنطاوي وعنان، التي أفضت إلى طبعة حكم الإخوان العاجز الفاشل، والمستنسخ ـ بالحرف ـ لحكم جماعة مبارك، وبفارق وحيد هو أن تعطى الغلبة العددية المسيطرة لجماعة الإخوان مقابل إخضاع جماعة مبارك .
وهذا بالضبط ما تقصده قيادة الإخوان من حملة سمتها ‘تطهير القضاء’، فهي لا تقصد أبدا تطهير المؤسسة القضائية من عناصر وهن وإفساد، بل تقصد إحلال أكبر عدد من أعضائها بسلك القضاء، ووضعهم عند المفاصل الحاكمة، ومما لا يعد تطهيرا بأي معنى، بل هو التلويث كامل الأوصاف، فمؤسسة القضاء ليست منظمة ثورية، بل هي إطار نظامي محكوم بالقوانين والتشريعات السارية، ولا يصح لقاض أن يحكم ويقضى بمزاج سياسي، بل بالبعد عن أي هوى سياسي، وبتحكيم الضمير، وبصحيح القانون والوقائع المنظورة، ولا يصح أن يكون هناك سلطان على القضاة إلا القضاة أنفسهم، ومؤسسة القضاء في مصر شديدة العراقة، وراسخة الأصالة، ودأبت أجيالها المتمرسة على حماية تقاليدها، والدفاع عن استقلالها في أقسى الظروف، وقد تعرضت مؤسسة القضاء لعناصر تعرية أخذت من رصيدها عند الناس، وتوالت عليها المحن زمن المخلوع مبارك بالذات، وتغولت عليها السلطة التنفيذية، ومن خلال أساليب صارت معروفة في السلك القضائي، فجهاز التفتيش القضائي تابع لوزارة العدل، التي هي جزء من السلطة التنفيذية، ولعنة انتداب قضاة للعمل كمستشارين عند دوائر السلطة التنفيذية أفسدت ضمائر كثيرة، والسماح بالتحاق ضباط شرطة بالسلك القضائي أضاف نوعا غريبا من شذوذ القضاة، وتحكم السلطة التنفيذية في موازنة الجهاز القضائي روض النفوس، والحلول باتت معروفة من زمن، فلا حل لضمان تعزيز استقلال القضاء بغير سد الخروق، بإلغاء الانتداب، ووقف التحاق ضباط الشرطة بالقضاء، وجعل موازنة السلك القضائي بيد المجلس الأعلى للقضاء، ونقل تبعية ‘التفتيش القضائي’ إلى حوزة مجلس القضاء الأعلى، وإطلاق حق المواطنين في التقدم بأي شكاوى ضد القضاة، وتخويل مجلس القضاء الأعلى بالبت في الاتهامات المنسوبة لقضاة، وبتر العناصر الفاسدة من خلال محاكمات سرية، واختيار النائب العام عبر المجلس الأعلى للقضاء، وهكذا يجري تطهير القضاء ذاتيا، وبما يحفظ للمؤسسة القضائية سلامتها واستقلالها، وهذا كله شيء، وما يريده الإخوان شيء آخر مختلف، فهم لا يريدون استقلالا لسلطة القضاء، بل يريدون إلحاقها تماما بالسلطة التنفيذية، وربما إلحاقها بمكتب إرشاد الإخوان، وتعيين محامين من الإخوان في سلك القضاء، وإحلال شريعة الغاب محل حكم القانون، وعلى ظن أن تحطيم مؤسسة القضاء يسهل مهمة الحكم، التي أثبتوا فيها فشلا ذريعا يليق بقصورهم العقلي وسوء الطوية .
ومع وضوح الصورة، فليست من حاجة للتساؤل عن طبيعة المعركة الجارية، فهي ليست محصورة بين القضاة وسلطة الإخوان الافتراضية، بل في معركة تهم الشعب المصري كله، وإصلاح ـ أو حتى تطهير ـ مؤسسة القضاة هي مهمة الوطنيين والثوريين المصريين، ودفع غائلة ‘الأخونة’ هو واجب الوقت بامتياز، فتحطيم القضاء هو هدف الإخوان المفضوح، وأيضا تحطيم مؤسسات الدولة كلها، فقد نشر مبارك ـ المخلوع ـ فيروس الفساد في مؤسسات الدولة لإخضاعها، ويحاول مرسي ـ المجزوع ـ نشر فيروس ‘الأخونة’ بتحطيم الدولة وإفناء مؤسساتها، وإحلال حكم الجاهلين المتواطئين، وهو ما يتصادم كليا مع أهداف الثورة المغدورة، التي لاتزال في خانة المقاومة.
وعلى رصيف الشارع الغاضب، وتسعى لإعادة بناء المجتمع وإعادة بناء الدولة، وتتعامل مع حكم الإخوان الافتراضي كتحد مفروض يستفز استجابة ثورية ووطنية حقيقية، فما دخل الإخوان بلدا إلا وأفسدوه وحطموه ومزقوه، وأنظر ـ من فضلك ـ إلى مصائر الصومال والسودان، وهو ما يتهدد مصر الآن أيضا، لكنهم لن ينجحوا أبدا في مصر، فمصر بلد مختلف بالجملة وبالقطعة، فيها رأي عام قوي، وفيها جهاز دولة جرى إضعافه، لكنه يبدو عصيا على التحطيم النهائي، وفيها قوى سياسية واجتماعية ثورية يتعاظم نفوذها في حركة الشارع، وفيها نزعة رفض متنامية لأخونة المجتمع وأخونة الدولة، وفيها قطاعات ضخمة من السكان اكتشفت خديعة الإخوان، وقد كان ضروريا أن تجري تجربة الإخوان، وأن ينزاح وهم الإخوان بالتجريب والممارسة الفعلية، وأن يتكشف عجزهم وفشلهم الخلقي، وأن يتضح تواطؤهم مع أعداء الوطن وسارقي الشعب وخونة الدين، فقد قدر الله لنا الابتلاء بحكم الإخوان حتى نفيق لأنفسنا وثورتنا، والحمد لله الذى لا يحمد على ‘إخوان’ سواه .

No comments: